“أصغرهم لم يتعد عمره سنة واحدة، وأكبرهم يبلغ 14 عاماً” يعتبرون من بين الفئات الأكثر ضعفاً في غزة، إذ يعانون من سرطانات مختلفة في الغدد الليمفاوية والدم، ويقول الأطباء إن “هؤلاء الأطفال معرضون للموت إذا تُركوا دون علاج”.
وسلطت صحيفة “نيويورك تايمز” الضوء على “المحاولات العديدة لإجلاء مرضى السرطان الأطفال من غزة، موضحة أن “مهمة إنقاذهم من العنف شملت تدخل عدة دول واتصالات في اللحظة الأخيرة في ظل استمرار الحرب”.
أوضحت الصحيفة أنه خلال الأيام العشرة الماضية، تم إجلاء 21 طفلاً مصاباً بالسرطان من غزة إلى مستشفيات في مصر والأردن، وفقاً للأطباء المشاركين في هذه الجهود.
لكن ما لا يقل عن 30 طفلاً مريضاً بالسرطان لم يتمكنوا من الخروج من غزة، وقال عمال الإغاثة للصحيفة إنه “في ظل فوضى الحرب، لم يعد بإمكانهم الوصول إلى عائلات هؤلاء الأطفال”.
وفي حديثه للصحيفة، قال الدكتور بكر جاعود، رئيس مستشفى الرنتيسي التخصصي للأطفال، والذي كان المركز الطبي الوحيد الذي يضم جناحاً لسرطان الأطفال في غزة حتى اضطر إلى إغلاق أبوابه، اليوم الجمعة، أثناء القتال العنيف: “ما يحدث أمر كارثي، لأنه حتى قبل إغلاق المستشفى، كان المرضى المصابون بأمراض خطيرة يُعادون إلى منازلهم عبر الشوارع العنيفة أو يُنقلون إلى مستشفى الشفاء، وهو مستشفى قريب يقع تحت حصار الوحدات الإسرائيلية”.
ووفقاً للصحيفة، أصبحت المستشفيات نقطة اشتعال خاصة في الحرب الجارية حيث اتهمت إسرائيل حماس باستغلال المرافق الطبية، بما في ذلك الرنتيسي والشفاء، والاختباء فيها.
وبدأت جهود إجلاء الأطفال المصابين بالسرطان، في منتصف تشرين الاول، وتطلبت مفاوضات بين البيت الأبيض ومصر وإسرائيل ومسؤولي الصحة الفلسطينيين في غزة التي تسيطر عليها حماس، بحسب الصحيفة التي أوضحت أن المشاركين في عملية الإخلاء قالوا إنها “جرت بشكل متقطع”.
ووصف عمال الإغاثة والأطباء، الذين تحدثوا للصحيفة، الوضع المأساوي لعائلات الأطفال المرضى، قائلين إنهم “كانوا يعيشون في ذعر خاصة بسبب انقطاع الاتصالات وبالتالي لم يتم إبلاغهم بالأيام المحددة التي حصل فيها أطفالهم على الإذن بالعبور إلى مصر. وانتظر البعض ساعات طويلة حتى تصل سيارات الإسعاف التي لم تصل قط إلى نقطة الالتقاء”.
ومحنة الأطفال هي صورة مصغرة للمعاناة في غزة منذ بدء الحرب قبل ما يزيد قليلاً عن شهر، بعد أن شنت حماس هجوماً مفاجئاً تقول السلطات الإسرائيلية إنه “أسفر عن مقتل 1200 شخص”. وأدى رد الفعل الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص، من بينهم أكثر من 4500 طفل، وفقاً لمسؤولي الصحة في غزة.
وتوقف مستشفى “الصداقة” عن العمل، في الأول من تشرين الثاني، وهو الوحيد المتخصص بعلاج السرطان في قطاع غزة، بسبب نفاد الوقود، ما يهدد حياة 70 مريضاً داخله،
قال مدير مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، صبحي سكيك، في مؤتمر صحفي: “نقول للعالم لا تتركوا مرضى السرطان للموت المحقق بسبب خروج المستشفى عن الخدمة”.
وأكدت وزيرة الصحة الفلسطينية، مي الكيلة، في بيان “توقف مستشفى الصداقة التركي في قطاع غزة عن العمل، من جراء قصفه من قبل قوات الاحتلال أمس وأول أمس، ونفاذ الوقود فيه بشكل كامل”.
قالت في البيان إن “حياة 70 مريضا بالسرطان داخل المستشفى مهددة بشكل خطير”.
أضافت “يبلغ عدد مرضى السرطان في قطاع غزة نحو ألفي مريض، يعيشون في ظروف صحية كارثية من جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع ونزوح عدد كبير”.
حذرت منظمة الصحة العالمية، في الأول من تشرين الثاني، من أزمة تواجه أصحاب الأمراض المزمنة في غزة، مع وجود أكثر من ألفي مريض يتعالجون من السرطان، و45 ألف شخص مرضى بأمراض القلب والأوعية الدموية، وأكثر من 60 ألف مريض بالسكري.
وفي المقابل، قالت وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، في وقت سابق لموقع “الحرة”، إن “منظمة حماس الإرهابية، وبما يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، تعمل من داخل المرافق المدنية (مثل المستشفيات)، وبالتالي تستخدم سكان غزة دروعا بشرية وتعرض مواطني قطاع غزة للخطر”.
أضافت: “الجيش يعمل على إخلاء السكان المدنيين من شمالي القطاع إلى جنوبه، وهو منطقة تم تعريفها كأكثر أمانا، والتي تتوفر فيها البنى التحتية الإنسانية”.
شددت على أن “عدم المساس بالمدنيين خلال الغارات على القطاع يمثل مصلحة مشتركة لمواطني غزة ودولة إسرائيل”.
حذر رئيس قسم جراحة العظام في المستشفى الأهلي العربي “المعمداني” بغزة، الدكتور فضل نعيم، من “غياب الاهتمام بمرضى السرطان والذين يتلقون العلاج في مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، وبعد توقفه عن العمل، تم نقل بعض المرضى لمستشفيات مختلفة بالقطاع في محاولة لمتابعة حالتهم”.
لكن علاجهم ومتابعة حالتهم الصحية لن يتم بالشكل الأمثل، خاصة أن غالبية مرضي السرطان يحتاجون للعلاج في الخارج سواء بالضفة الغربية أو الداخل الفلسطيني أو مصر، ومع إغلاق المعابر يفقدون “فرصتهم في العلاج من المرض العضال”، حسبما يؤكد نعيم.
بدوره، شدد مدير مستشفى غزة الأوروبي، الدكتور يوسف العقاد، على “حاجة مرضى السرطان لعلاجات خاصة، تبدأ بـ”جلسات العلاج الكيماوي، ثم العلاج الإشعاعي، وبعض أدوية الهرمونات”.
والعلاج الإشعاعي غير متوفر في غزة منذ سنوات، ما يضطر المستشفيات إلى تحويل المرضى للعلاج خارج القطاع، وهو ما لا يحدث في الوقت الحالي، .
وفي ما يخص العلاج الكيماوي، فـ50 بالمئة من تلك العلاجات “غير متوفرة” بالقطاع بالأساس، وفي ظل الحرب الدائرة حاليا وإغلاق المعابر، فالوضع أصبح “أكثر صعوبة”، وفق العقاد.
شدد على أن “هؤلاء المرضى يحتاجون لرعاية صحية دورية، ومتابعة دائمة، وتلقى العلاجات بانتظام، لكن في ظل الحرب الحالية فمن المستحيل رعايتهم بالشكل الأمثل”.
وحذر العقاد من “مضاعفات قد تطال أصحاب الأمراض المزمنة عامة، ومرضى السرطان خاصة، وفي حال تخلفهم عن تلقى العلاجات في مواعيدها المحددة فإن مصيرهم الموت”.