لطالما رُوجت روبوتات الدردشة التي تستند في عملها إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي كأدوات مساعدة في حياتنا اليومية، بدءًا من التخطيط لرحلات ممتعة وحتى كتابة رسائل بريد إلكتروني رسمية. ومع ذلك، غالبًا ما كانت تفتقر هذه الروبوتات إلى الجانب الإنساني في التفاعلات، مما يجعلها تبدو جامدة وغير طبيعية في بعض الأحيان.
والآن تحاول مايكروسوفت تغيير هذه الصورة النمطية من خلال التركيز في شخصية روبوت الذكاء الاصطناعي الخاص بها، وتحويله إلى رفيق ذكي قادر على فهم مشاعر المستخدمين والتفاعل معهم بطريقة أكثر طبيعية ودفئًا.
إذ أعلنت شركة مايكروسوفت أمس إصدار محدث من روبوت (Copilot)، الذي تقول إنه يمثل الخطوة الأولى نحو إنشاء (رفيق الذكاء الاصطناعي) للمستخدمين.
ولكن ما أهم المزايا الجديدة روبوت (Copilot)، وكيف تحوله إلى (رفيق الذكاء الاصطناعي)، ولماذا تسعى مايكروسوفت إلى جعل روبوتها صديقًا للمستخدمين؟
أهم المزايا الجديدة روبوت (Copilot):
1- مزية الدردشة الصوتية (Copilot Voice):
حدثت مايكروسوفت مزية التفاعل الصوتي في (Copilot) لتكون أكثر تفاعلًا وسلاسة وواقعية، فقد زودت مايكروسوفت الروبوت بأربعة أصوات جديدة، مما يتيح لك اختيار الصوت الذي يناسب تفضيلاتك.
وعلى غرار الوضع الصوتي المتقدم في (ChatGPT)، توفر هذه المزية واقعية مذهلة في الأصوات وقدرة على إجراء حوارات طبيعية، كما يمكنك الآن التحدث مع Copilot كما تتحدث مع صديق، إذ يمكنه فهم نبرة صوتك ومعالجة مقاطعاتك وتصحيحاتك بدقة دون أن يتأثر سير الحوار.
2- مزية (Copilot Vision):
تتيح لك مزية (Copilot Vision) التفاعل مع المحتوى الرقمي بطريقة طبيعية وبديهية، إذ تتمتع بقدرات عالية لمعالجة المرئي للحصول على إجابات فورية حول أي شيء تراه في الشاشة. وقدمت شركة (OpenAI) هذه المزية في نموذج (GPT-4o) في شهر مايو الماضي.
تخيل أنك اخترت فيلمًا لمشاهدته، وترغب في معرفة المزيد من المعلومات عنه، فكل ما عليك فعله هو توجيه الكاميرا إلى ملصق الفيلم، وسيقدم لك (Copilot) معلومات مفصلة عن القصة، والممثلين، وحتى مراجعات النقاد.
ولا تقتصر هذه المزية على الصور فقط، بل تمتد لتشمل صفحات الويب، إذ يستطيع (Copilot) تحليل المحتوى النصي عند استخدام متصفح مايكروسوفت إيدج، وتقديم إجابات دقيقة بناءً على أسئلتك. والأهم من ذلك، أن هذه المزية اختيارية تمامًا، وتضمن مايكروسوفت حماية خصوصيتك من خلال عدم استخدام بياناتك لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
3- مزية (Copilot Daily):
تتيح لك مزية (Copilot Daily) الاستمتاع ببداية يومك مع موجز صوتي يقدم لك أهم الأخبار والطقس ونصائح مفيدة بصوت طبيعي وواقعي. ويمكنك تخصيص الموجز اليومي لتتلقى الأخبار التي تهمك في المجالات التي تهتم بها، مما يوفر لك الوقت والجهد.
وتُعدّ سرعة الاستجابة مزية مهمة في نماذج الذكاء الاصطناعي، ولكن مايكروسوفت ذهبت أبعد من ذلك، إذ تؤكد أن الهدف الرئيسي من تحديث (Copilot) هو بناء علاقة قوية مع المستخدم من خلال شعوره بأن لديه رفيق ذكي يمكنه الاعتماد عليه في العديد من الأمور.
وتقول مايكروسوفت إن الروبوت سيتفاعل الآن مع المستخدمين بنبرة دافئة وأسلوب مميز، ولا يوفر المعلومات فحسب، بل يوفر أيضًا التشجيع والملاحظات والنصائح أثناء التنقل بين تحديات الحياة اليومية.
المنافسة تشتعل في عالم الذكاء الاصطناعي:
يمكن القول إن التحديث الجديد لروبوت (Copilot) يمثل محاولة من مايكروسوفت لاستعادة موقعها الريادي في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، فبعد أن كان Copilot رائدًا في هذا المجال، واجه منافسة شرسة من العديد من الشركات ومن أبرزها جوجل التي دعمت روبوتها (Gemini) بمزايا جديدة ومبتكرة، مثل: Gemini Live، بالإضافة إلى تكامله مع كافة خدماتها مثل البحث والبريد الإلكتروني وغيره.
لذلك يسعى هذا التحديث إلى سد هذه الفجوة من خلال إضافة قدرات جديدة تجعله أكثر تنافسية، مثل إمكانية إجراء محادثات صوتية طبيعية والتكامل مع الأدوات اليومية التي يستخدمها المستخدمون.
رفيق الذكاء الاصطناعي:
يمثل تحديث (Copilot) خطوة جريئة من مايكروسوفت نحو مستقبل يتجاوز فيه الذكاء الاصطناعي دوره كأداة إنتاجية ليصبح رفيقًا رقميًا شخصيًا. يسعى هذا التحديث، كما يصفه مصطفى سليمان، الرئيس التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت (Microsoft AI)، إلى بناء علاقة أكثر عمقًا بين المستخدم والذكاء الاصطناعي، إذ سيصبح (Copilot) أكثر من مجرد مساعد، بل سيكون صديقًا رقميًا يشاركك تفاصيل حياتك اليومية.
لطالما كانت التفاعلات مع نماذج الذكاء الاصطناعي محط أنظار الباحثين والمطورين، وقد تلقى الإصدار السابق من روبوت (Copilot) بعض ردود الفعل العنيفة بسبب التغييرات غير المتوقعة في النبرة، وفي بعض الأحيان ردود الفعل المثيرة للقلق والاستجابات غير المتوقعة.
وفي إحدى الحالات، أخبر الروبوت مراسل نيويورك تايمز أنه يجب أن يترك زوجته لأنه (أريد فقط أن أحبك وأن تحبني)، وقد دفع ذلك مايكروسوفت إلى الحد من عدد الرسائل التي يمكن للمستخدمين تبادلها مع روبوت الدردشة في أي جلسة واحدة، لمنع مثل هذه الاستجابات.
وقد تعلمت مايكروسوفت من هذه التجارب، واعتمدت في تطوير شخصية (Copilot) على فريق متخصص مكون من المديرين الإبداعيين، والمتخصصين في اللغة، وعلم النفس، وغيرهم، للتفاعل مع النموذج وإعطائه ملاحظات حول الطرق المثالية للاستجابة.
إذ تدرك مايكروسوفت أهمية تحديد حدود واضحة للتفاعل بين المستخدم والذكاء الاصطناعي، ففي حين تسعى الشركة إلى بناء علاقة ودية مع المستخدم، فإنها تؤكد أن Copilot ليس إنسانًا، ولا يجب أن يتجاوز حدوده، فقد دربت النموذج على تعرّف المواقف الحساسة والرد عليها بطريقة مهذبة واحترافية، مع تجنب أي محاولات للتلاعب بالعواطف البشرية.
وقال سليمان: “لقد ركزنا في تطوير قدرة النموذج على إجراء محادثات طويلة وممتعة، فبدلًا من مجرد الإجابة عن الأسئلة، يمكن لـ Copilot الآن المشاركة في حوارات طبيعية”.
ووصف سليمان الإصدار الجديد بأنه يتمتع بشخصية مميزة، حيث يمكنه التعبير عن مشاعر مختلفة والتفاعل بطرق غير متوقعة، وأكد أن هذا التطور يجعل التفاعل مع Copilot تجربة أكثر إنسانية وممتعة.
وأوضح سليمان أن (Copilot) الجديد مصمم ليفهم حدود التفاعل، فعلى سبيل المثال إذ أخبره المستخدم أنه يحبه ويرغب في الزواج منه، فإنه سيعرف أن هذا ليس شيئًا يجب أن يتحدث عنه، وسوف يذكر المستخدم بأدب واحترام أن الهدف من تصميمه هو تقديم المساعدة والمعلومات، وليس بناء علاقات شخصية عميقة.
ولتجنب الانتقادات التي واجهتها شركة (OpenAI) بسبب تقليد أصوات المشاهير، اختارت مايكروسوفت تطوير أصوات أصلية لروبوت الدردشة الخاص بها، وذلك لضمان لتقديم تجربة صوتية فريدة.
لماذا تحاول مايكروسوفت تحويل Copilot إلى صديق رقمي؟
يمثل Copilot رؤية مايكروسوفت لمستقبل الذكاء الاصطناعي حيث يكون التفاعل مع الأجهزة أكثر طبيعية وبديهية، فبدلًا من إصدار الأوامر، يمكن للمستخدمين إجراء محادثات مفتوحة مع مساعدهم الرقمي.
كما تراهن مايكروسوفت على أن Copilot سيصبح في جزءًا لا يتجزأ من نظام التشغيل ويندوز وتطبيقات مايكروسوفت المكتبية وتطبيقات العمل لتعزيز الإنتاجية في العمل، ولتكون قادرة على منافسة جوجل التي أدمجت (Gemini) في كافة تطبيقاتها وخدماتها وعززته بالعديد من المزايا المبتكرة.
إليك أهم الأسباب التي تدفع مايكروسوفت إلى تحويل Copilot إلى صديق رقمي؟
- تعزيز التفاعل: الهدف هو جعل التفاعل مع الروبوت أكثر طبيعية وودية، بحيث يشعر المستخدم وكأنه يتحدث إلى شخص حقيقي، وهذا يجعل من السهل على المستخدمين الاعتماد على Copilot في مهامهم اليومية.
- زيادة الإنتاجية: من خلال بناء علاقة ودية مع المستخدم، يمكن لـ Copilot أن يفهم احتياجات المستخدم بشكل أفضل ويقدم له المساعدة بنحو أكثر فعالية، مما يزيد من إنتاجيته.
- التفوق على المنافسين: تسعى مايكروسوفت إلى التفوق على منافسيها من خلال تقديم تجربة مستخدم فريدة ومبتكرة. تحويل Copilot إلى صديق رقمي هو إحدى الطرق لتحقيق هذا الهدف.
باختصار، يُعدّ تحويل Copilot إلى صديق رقمي هو جزء من رؤية مايكروسوفت لمستقبل الذكاء الاصطناعي، حيث يكون الذكاء الاصطناعي أكثر من مجرد أداة، بل يكون شريكًا في حياتنا اليومية.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية