كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يدخل انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية دائرة اختبار النيات للتأكد من مدى استعداد النواب للتوافق على مرشح يحظى بتأييد مسيحي ولا يشكل تحدياً أو استفزازاً للثنائي الشيعي، ويتمتع بالمواصفات التي حددتها «اللجنة الخماسية» للانتقال بلبنان إلى مرحلة التعافي، ويأخذون في الحسبان مواكبته التحول الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط بإقفال ملف الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» بتطبيق القرار «1701» بكل مندرجاته، وبسقوط الرئيس بشار الأسد في سوريا.
فاختبار النيات يتلازم مع فتح قنوات التواصل بين رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، وقوى المعارضة والكتل النيابية التي تتموضع في منتصف الطريق بين الطرفين، لعله يؤدي إلى إحداث ثغرة يمكن التأسيس عليها للتوافق على اسم المرشح الذي تلتف حوله الأكثرية النيابية على نحو يسمح بأن تكون جلسة الانتخاب، بدعوة من بري، حاسمة لإخراج انتخابه من التأزم، بخلاف الجلسات السابقة التي أدت إلى تمديد تعطيل انتخابه.
ومع أن بري يصر على انعقاد جلسة الانتخاب في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل استباقاً لانتقال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 20 منه، ولا يحبذ تأجيلها، فإن الحراك النيابي لتهيئة الظروف للتوافق على اسم المرشح لا يزال في طور التأسيس، ويتوقف على ما سيؤول إليه حواره المرتقب مع حزب «القوات اللبنانية» والكتل النيابية، سواء المنتمية إلى المعارضة وتلك التي تتموضع في منتصف الطريق بين الفريقين.
وعلمت «الشرق الأوسط» بأن التواصل بين بري و«القوات» لم ينقطع، ويفترض أن يرتفع منسوبه في الأيام المقبلة، وهذا ما جرى التأكيد عليه في اجتماع سمير جعجع بـ«التكتل النيابي المستقل» الذي يدعم ترشيح أحد أعضائه وهو إبراهيم كنعان للرئاسة، رغم أن الاجتماع لم يتطرق إلى أسماء المرشحين وتمحور حول ضرورة التقاطع على رئيس توافقي فعلاً لا قولاً، بدلاً من انتخاب مرشح يمكن أن يصنّف في خانة فريق دون الآخر ولا يواكب التحول الذي تشهده المنطقة ويتصرف كأن لبنان ليس مشمولاً به ويمكن إدارته على غرار المرحلة التي سبقت التدخل الدولي لوقف الحرب في الجنوب.
وفي هذا السياق، تعلّق مصادر نيابية أهمية على الثقل الذي يتمتع به «اللقاء الديمقراطي» ومعه كتلتا «الاعتدال النيابي» و«لبنان الجديد» وعدد من المستقلين والنواب المنتمين إلى «قوى التغيير»، والذي يتيح لهم أن يشكلوا الكفة الراجحة للتوافق على مرشح استثنائي يلقى دعماً دولياً لأنه يتمتع بالمواصفات التي حددتها «الخماسية» في مقاربتها انتخاب الرئيس.
وتؤكد المصادر النيابية لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ضرورة للتوافق على رئيس قادر، بالتعاون مع حكومة فاعلة؛ شرط ألا تكون نسخة طبق الأصل عن حكومات الوحدة الوطنية التي شُكّلت سابقاً وأوصلت البلد إلى حائط مسدود وتسببت في انهياره، على أن تتقدم من اللبنانيين ببرنامج اقتصادي يعيد إدراج اسم لبنان على لائحة الاهتمام الدولي».
وتلفت إلى أنه كثر الحديث لدى التداول في أسماء المرشحين عن احتمال تقاطع الثنائي الشيعي ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على دعم مرشح معين، لكن الدخول في غربلة الأسماء يُبقي على اسم قائد الجيش العماد جوزف عون على رأس السباق الرئاسي، خصوصاً أن التحول المتنقل بين لبنان وسوريا يرفع حظوظه ويتوقف على مدى استعداد بري وحليفه «حزب الله» لترجيح كفة انتخابه، مع أنهما لم يضعا «فيتو» على اسمه وأنه يحتاج، من وجهة نظر بري، إلى تعديل دستوري.
وتكشف مصادر عن أن سفراء «اللجنة الخماسية» لدى لبنان يدرسون التداعي إلى اجتماع يستبق جلسة انتخاب الرئيس للتداول فيما آلت إليه الاتصالات النيابية للتوافق على رئيس، من دون دخولهم في أسماء المرشحين؛ لأنهم يشكلون بالنيابة عن دولهم مجموعة دعم ومساندة لتسهيل انتخابه.
بدوره، يؤكد مرجع سياسي، فضل عدم ذكر اسمه، أن «التحول الذي تشهده المنطقة يتطلب من (حزب الله) التعامل معه بواقعية على خلفية مراجعة حساباته وتقويمه أداءه السياسي في ضوء سوء تقديره رد إسرائيل على إسناده غزة، شرط أن ينأى بنفسه عن المكابرة والإنكار؛ لأنه يفتقد الذرائع لتبرير عدم انفتاحه، كما يجب، على قائد الجيش بحسبان أن حظوظه الرئاسية تتقدم على منافسيه، وألا مانع من انفتاحه عليه بعد أن توالى عدد من نواب (الحزب) على الإشادة بأداء المؤسسة العسكرية طوال العدوان الإسرائيلي على لبنان». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب» يخطئ «إذا قرر التشدد للمجيء برئيس حليف له أسوة بتعطيله في السابق جلسات الانتخاب ولم يفرج عنها إلا بعد أن ضمن إيصال العماد ميشال عون إلى الرئاسة، وهو يدرك سلفاً أن الظروف السياسية تبدلت ولم يعد (الحزب) طليق اليد كما كان، بعد سقوط نظام الأسد الذي أخرج محور الممانعة بقيادة إيران من المعادلة في الشرق الأوسط، وقبل أن يلتزم لبنان بتطبيق القرار (1701)، وهذا ما يدعوه إلى الانخراط في الحراك النيابي سعياً وراء التوافق على رئيس لا يدعوه للقلق، ما دام لا نية لأحد في عزله عن الشراكة في انتخابه، ولن يجد في عداد المتنافسين أفضل من العماد جوزف عون لطمأنته وتبديد ما لديه من مخاوف».
ويلفت إلى أن باسيل «وإن كان يبدي انفتاحاً على الكتل النيابية، ويروج خصومه لاحتمال تقاطعه مع الثنائي الشيعي على مرشح معين من دون أن يقطع صلته بعدد من أطراف المعارضة، فإن ما يهمه أولاً وأخيراً أن يشطب اسمه من العقوبات الأميركية المفروضة عليه، وهذا ما بحثه مع مستشار الرئيس الأميركي المنتخب مسعد بولس عندما التقاه أخيراً في باريس، وبالتالي فلن يجد من عائق أمام توسيع خياراته الرئاسية إذا حال تلقى وعداً يدعوه للتفاؤل برفع العقوبات عنه».