كتبت لينا الحصري زيلع في “اللواء”:
بعد سقوط النظام السوري وخروج بشار الأسد من المعادلة السياسية، تُعاد الى الذاكرة مرحلة الهيمنة السورية على أدق المفاصل اللبنانية لا سيما السياسية والأمنية، وثمة تساؤلات حول السياسة الخارجية للبنان وارتباطها بسوريا تحت شعار «وحدة المسار والمصير»، وللاطّلاع على حقبة التسعينات من القرن الماضي والعلاقة بين البلدين، أجرى وزير الخارجية السابق فارس بويز سرد لتلك المرحلة عبر «اللواء» فقال: «من المعروف ان لكل ظرف وضعه، وفي مرحلة التسعينات كان لبنان خارجا من حرب طويلة هدّمت كل مؤسسات الدولة دون استثناء وتوقفت كافة الخدمات الأساسية فيه، كما كانت البلاد منقسمة الى مناطق نفوذ للمليشيات الطائفية، فحصل توافقا دوليا إقليميا على تلزيم سوريا مهمة تطبيق اتفاق الطائف ومساعدة الدولة اللبنانية على إعادة بناء نفسها، وكان جرى التفويض من قبل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والغرب والفاتيكان، باعتبار انهم لا يريدون الانغماس في المستنقع اللبناني حسب قولهم، ولأنه لم يكن بمقدور لبنان حلّ الميليشيات دون وجود قوة حقيقية في ظل غياب دور الجيش والانقسام الذي كان يعاني منه، فقد تم الاستعانة بسوريا في هذه المهمة التي تندرج ضمن اتفاق الطائف، ولمساعدة الجيش اللبناني أيضا من أجل انتشاره في كافة المناطق اللبنانية، كذلك كان لها دورا بعملية المصالحة الوطنية وطي صفحة الحرب وإقرار قانون العفو العام، وكذلك في ملف تشكيل حكومة الوفاق الوطني، ولكن سوريا تعاطت مع التفويض المعطى لها وفقا لمصالحها ونظرتها للأمور كونها ليست مؤسسة خيرية بطبيعة الحال. علما ان دعمها للبنان أتى بالتزامن أيضا مع انطلاق مؤتمر مدريد للسلام الذي كان من المفترض الوصول من خلاله الى سلام إقليمي عادل ودائم وشامل، ولكن على اثر عملية اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلي إسحاق رابين الذي كان من المنخرطين في عملية السلام، رأى الرئيس حافظ الأسد ان المؤتمر قد تدحرج بعد هذه الحادثة، وهو ارتأى بعد ذلك التحالف مع طهران الذي كان لا يزال هذا التحالف ساري المفعول حتى الأمس».
ويعتبر بويز ان التصرف السوري بعد هذه المرحلة تغيّر تجاه لبنان، وباتت القيادة السورية تعطي طهران حماية وحصة من خلال «حزب لله» وتخصص نصف المقاعد الوزارية والنيابية التي هي من حصة الطائفة الشيعية له، لافتا الى ان منذ ذلك الوقت بدأت سوريا بتفسير اتفاق الطائف حسب ظروفها ومصالحها ولم تعد ملتزمة بتطبيق الاتفاق، وهي اعتبرت على سبيل المثال ان حل الميليشيات لا يجب أن يشمل المقاومة التي اعتبرتها مختلفة عن الميليشيات الأخرى، وباتت تتدخّل في كل شاردة وواردة في لبنان الذي دفع ثمن هذا التدخّل.
ولكنه في المقابل رأى بويز، بانه نجح من خلال موقعه كوزير للخارجية في تلك الحقبة على رسم علاقة خاصة مع الرئيس حافظ الأسد لحصر تعاطيه معه ومع وزير خارجية سوريا فقط، حيث تم الاتفاق على أن يكون الموقف اللبناني والسوري متضامنا في التعاطي مع عملية السلام المطروحة في مؤتمر مدريد والمبنية على القرارات الدولية والذي كان يهدف للوصول الى سلام دائم وشامل، أي أن لا ينفرد لبنان ولا سوريا بأي سلام دون آخر، حتى لو حصل أي فريق على كل مطالبه.
وأشار بويز الى انه من خلال تعاطيه مع الرئيس السوري استطاع بناء ثقة وصدقية حول موضوع السلام، لافتا الى ان هذا الأمر دفعه لتوقيع اتفاقية الشراكة مع أوروبا دون أن تكون سوريا في هذه الاتفاقية، حتى انها لم تعترض على ذلك، كذلك عندما أعلن قبول لبنان الدخول بمؤتمر مدريد وكان أول دولة عربية تعلن ذلك فلم تكون هناك مواجهة ردّة فعل أو اعتراض من قبل الرئيس حافظ الأسد الذي كان على ثقة ان ذهاب لبنان الى مدريد لا يعني الانفصال عن سوريا أو التآمر عليها كما يقول وزير الخارجية السابق.
ولكن فان الوزير السابق كشف عن انه تمّت محاربته من قبل المخابرات السورية وبعض كبار المسؤولين السوريين عندما قرّر الترشح للانتخابات النيابية، من خلال محاولات لإضعافه ودعم بعض أخصامه من قبل المخابرات السورية آنذاك.
وحول الضغوط السورية التي مورست على الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رأى بويز ان علاقة الأخير كانت تشوبها مشاكل عدة مع الرئيس بشار الأسد الذي كان يتعرّض لضغوطات عدة من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية لخروج الجيش السوري من لبنان، واعتباره ان الرئيس الحريري هو من يحرّض عليه، إضافة الى قضايا تتعلق بالسياسة العامة وخروج سوريا من لبنان والتمديد للرئيس اميل لحود، علما ان الرئيس الشهيد كان يلعب دور الوسيط بين سوريا وكل من واشنطن وباريس وترتيب العلاقات فيما بينهم كما يقول بويز.
ويرى وزير الخارجية السابق بان مستقبل سوريا الآن يرتبط بمدى التزام الثورة السورية بما سميّ «أجندة الآستانة»، مشيرا الى انه في حال نجاح أحمد الشرع بتنفيذ ما هو مطلوب منه سيتم إعادة تركيب الدولة في سوريا، والتي قد تتلقّى بعض المساعدات من اجل إعادة اعمارها، وهذا سينعكس إيجابا على لبنان حسب بويز من خلال ضبط حدوده بشكل تام، والانتهاء من مشكلة ترسيم الحدود وتحديدا مسألة مزارع شبعا، واعتراف سوريا بان هذه المناطق هي لبنانية مما يتيح للبنان إجراء مفاوضات لاستعادتها من إسرائيل، كذلك عودة النازحين السوريين الى بلادهم والذين ينهكون الأوضاع الاقتصادية والداخلية اللبنانية.
ولكن في المقابل يرى انه في حال لم تلتزم المعارضة «بالأجندة» المتفق عليها، وتحوّلت لتكون متطرفة سيتأثر لبنان سلبا بذلك، وسيكون هناك استحالة لتنظيم العلاقات مع سوريا الجديدة، معتبرا ان المنطقة تسير نحو توجّه جديد قد يقود لاستكمال السلام الإقليمي.