في ظل الخسائر البشرية والمادية الهائلة جراء استمرار الهجوم الإسرائيلي على غزة، يرى خبراء أن الاقتصاد العالمي لن يتحمل صدمة كبيرة أخرى، خاصة بعد تعرضه لسلسلة من الصدمات على مدى السنوات الأربع الماضية، بداية من وباء “كوفيد – 19″، والتضخم في مرحلة ما بعد كوفيد، والحرب بين روسيا وأوكرانيا.
بدأت إسرائيل هجوماً برياً قبل أيام على غزة بهدف القضاء على حركة “حماس” بعد قصف جوي متواصل بدأ في السابع من تشرين الأول رداً على هجوم الحركة الذي أدى إلى مقتل 1400 شخص، وفقاً للسلطات الإسرائيلية.
تقول وزارة الصحة في غزة، إن “القصف الإسرائيلي أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 8000 شخص”.
في هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، الأستاذ في جامعة برينستون، آدم كابور، إنه “مع دخول الحرب بين إسرائيل وحماس أسبوعها الرابع، فإن المخاطر على الاقتصاد العالمي تتزايد”.
أضاف أنه “كلما طال أمد القتال، زادت فرصة تصاعده إلى صراع إقليمي له تداعيات على الأسواق المالية العالمية، مؤكداً أنه كلما زاد خطر التصعيد، زاد خطر انتقال العدوى إلى بقية العالم من حيث الاقتصاد والتمويل”.
قال كابور إن “مثل هذه العدوى ستؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية الموجودة، بما في ذلك ركود النمو والتضخم المرتفع وتراجع الأسواق العالمية وأسواق التجزئة”.
أضاف: “هذا الصراع، بطريقة ما، يضخم جميع التحديات الموجودة والتي كانت كبيرة بالفعل”.
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” أن “استمرار الصراع في الشرق الأوسط يشير إلى أن سلسلة من الأحداث الكارثية قد تمتد إلى الخليج نفسه”.
أوضحت أن “الحرب على غزة يمكن أن تؤدي حتى إلى الصراع بين القوى العظمى، أي بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب، والصين وإيران من جانب آخر”.
علاوة على ذلك، ذكرت الصحيفة أن “الأنظمة في المنطقة قد تتزعزع بسبب الغضب الشعبي جراء الفشل في مساعدة غزة”.
أشارت إلى أن “الحظر النفطي الذي ألحق أضرارا بالغة في حرب أكتوبر عام 1973 لم يكن نتيجة مباشرة للحرب، بل كان استجابة سياسية من جانب منتجي النفط العرب”.
وترى “فاينانشيال تايمز” أنه “إذا انتشرت الحرب، فسيكون للأمر تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي، لأن هذه المنطقة تعد أهم منتج للطاقة في العالم”.
ووفقاً للمراجعة الإحصائية للطاقة العالمية لعام 2023، فإن “منطقة الشرق الأوسط تحتوي على 48 في المئة من الاحتياطيات العالمية المؤكدة وأنتجت 33 في المائة من النفط العالمي في عام 2022”.
علاوة على ذلك، وفقاً لتقرير لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، “مر خُمس إمدادات النفط العالمية عبر مضيق هرمز، في قاع الخليج، في عام 2018، وبالتالي فإن أي إغلاق لهذا المضيق سيكون بمثابة نقطة الاختناق لإمدادات الطاقة العالمية”.
يشير البنك الدولي أيضاً إلى أن “صدمات الطاقة في الحروب الماضية كانت مكلفة للغاية، فقد أدى غزو العراق للكويت في عام 1990 إلى رفع متوسط أسعار النفط بعد ثلاثة أشهر بنسبة 105 في المئة، كما رفعها الحظر النفطي العربي في الفترة 1973-1974 بنسبة 52 في المئة، كما رفعتها الثورة الإيرانية في عام 1978 بنسبة 48 في المئة”، وفقاً للصحيفة.
لكن الصحيفة أشارت إلى أنه “حتى الآن كانت التأثيرات على أسعار النفط نتيجة لهجمات حماس على إسرائيل والحرب في غزة متواضعة”.
أوضحت أن “النفط لايزال وقودا حيويا لوسائل النقل. ويشكل الغاز الطبيعي السائل من الخليج أيضاً جزءاً مهماً من الإمدادات العالمية من الغاز الطبيعي. ومن شأن الانقطاعات الكبيرة في هذه الإمدادات أن يكون لها تأثير قوي على أسعار الطاقة والإنتاج العالمي ومستوى الأسعار الإجمالي، ولا سيما في المواد الغذائية”.
ونتيجة استمرار الحرب، يتصور البنك الدولي سيناريوهات تنطوي على اضطرابات صغيرة ومتوسطة وكبيرة في إمدادات الطاقة، وفقاٍ للصحيفة.
والسيناريو الأول، كما يفترض البنك، سيخفض العرض بما يصل إلى مليوني برميل يومياً (حوالي 2 في المائة من العرض العالمي)، والثاني سيخفضه بمقدار 3-5 ملايين برميل يومياً، والأخير سيخفضه بمقدار 6-8 ملايين برميل يومياً، بحسب الصحيفة.
وتقدر أسعار النفط المقابلة بما يتراوح بين 93 إلى 102 دولارًا، و109 إلى 121 دولارًا، و141 إلى 157 دولارًا على التوالي، والأخير من شأنه أن يدفع الأسعار الحقيقية نحو مستويات الذروة التاريخية.
وإذا تم إغلاق المضيق، فإن النتائج ستكون أسوأ بكثير، كما ذكرت الصحيفة، التي أوضحت أن العالم لا يزال في عصر الوقود الأحفوري، ولذلك قد يكون الصراع في أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم مدمرا للغاية.