“كان القصف عنيفا كأنه زلزال”، هكذا أخبر سهيل سابا، أحد الناجين من الهجوم الذي طال مجمع كنيسة القديس بورفيريوس في غزة ليلة الخميس الماضي.
يضيف سهيل : “انكسرت الحيطان، وكان يرمى بي من مكان لآخر. كان الناس يتعثرون بي، وكنتُ أسمع صراخ الأطفال والنساء. فجأة، وخلال ثوانٍ، أصبحت عائلة كريشة في مهب الريح”.
سابا، هو أمين سر مجلس وكلاء الكنيسة الأرثوذكسية العربية، وقد تعرض لجروح في الرأس والظهر والساقين بعد أن “سقط الصاروخ فوق مبنى مقر مجلس وكلاء الكنيسة مباشرة، وقتل على الفور تسعة أشخاص من عائلة واحدة”، حسب قوله.
يقيم سابا حالياً في كنيسة العائلة المقدسة التابعة للطائفة الكاثوليكية في غزة مع مئات من أفراد المجتمع المسيحي الذين يبحثون عن الأمان في الكنيستين الوحيدتين في المدينة.
في التاسع عشر من تشرين الأول تعرض أحد المباني التابعة لكنيسة القديس بورفيروس، والتي تعرف أيضاً بكنيسة الروم الأرثوذكس، لقصف صاروخي نسبه إلى الجيش الإسرائيلي الذي نفى قيامه بهذا القصف، الذي أسفر عن وقوع 17 قتيلاً وعشرات الجرحى، من بينهم أطفال.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، ليور هايات لـ”بي بي سي” إن “ما حدث كان أضراراً جانبية بعد أن شنت إسرائيل هجوماً على البنية التحتية لحماس التي كانت قريبة جداً من الكنيسة”، على حد قوله.
كنيسة القديس بورفيروس التابعة لطائفة الروم الأرثوذكس، وكنيسة العائلة المقدسة التابعة للطائفة الكاثوليكية هما الكنيستان الوحيدتان اللتان تنشطان في غزة حالياً، ويحتمي بهما اليوم قرابة 900 من المسيحيين الذين أخلوا بيوتهم منذ بداية القصف الإسرائيلي على القطاع قبل أكثر من أسبوعين.
وتداولت صور على وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد منذ أيام لتعميد جماعي للأطفال الذين لم يُعَمَّدوا بعد في قطاع غزة، وذلك مخافة مقتلهم بدون تعميد في الحرب الدائرة رحاها حالياً.
ويقول منذر إسحاق وهو مسيحي فلسطيني يعيش في الضفة الغربية إن “مسيحيي القطاع يستعدون لأسوء السيناريوهات”.
يعد المسيحيون أقلية في غزة، إذ لا يتجاوز عددهم 1100 شخص ينتمون إلى طائفتي الروم الأرثوذكس والكاثوليك، أي أقل من 0.05 بالمئة من مجمل السكان، ومعظمهم من الروم الأرثوذكس.
ويتوزعون في مناطق متفرقة في مدينة غزة بين الرمال والميناء الجنوبي وتل الهوى، ويعملون في قطاعات مدنية مختلفة كالتدريس والوظائف الحكومية والصياغة والطب وغيرها.
ووفقاً لأحد أفراد كنيسة القديس بورفيروس للروم الأرثوذكس الذي فضل عدم ذكر اسمه، جاء بعض هؤلاء إلى غزة في أعقاب قيام إسرائيل عام 1948، وتعود أصول بعضهم الآخر إلى سكان مدينة غزة؛ إذ “يعيشون على هذه الأرض منذ سنة 402 ميلادية بعد أن تحولوا من الوثنية إلى المسيحية،” على حد قوله.
ويؤكد عضو مجلس وكلاء الكنيسة الأرثوذكسية العربية إلياس الجلدة، أن “مسيحيي غزة تعود جذورهم إلى ما قبل سنة 400 ميلادياً، وتعود أصول معظم السكان الحاليين إلى أهل المدين”.
وتختلف ظروف مسيحيي القطاع عن إخوانهم في باقي الأراضي الفلسطينية بسبب الظروف المعيشية القاسية التي يفرضها الحصار الإسرائيلي على القطاع، إضافة إلى صعوبة الحصول على تصاريح السفر لزيارة عائلاتهم خارج القطاع أو الاحتفال بالأعياد هناك.