بعد خمسة أسابيع، من هجوم حماس على إسرائيل، ظهرت أدلة جديدة تكشف عن معالم خطة الحركة الأوسع، وهي الخطة التي يقول المحللون إنها لم تكن تهدف إلى قتل واختطاف الإسرائيليين فحسب، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.
تكشف الأدلة، التي تحدث عنها أكثر من اثني عشر من مسؤولي الاستخبارات والأمن الحاليين والسابقين من أربع دول غربية وشرق أوسطية، عن دوافع حماس لتوجيه ضربة “ذات أبعاد تاريخية”.
وتسلط النتائج ضوءاً جديداً على التكتيكات والأساليب التي استخدمها حماس لإحباط الجهود الأولية التي بذلها الجيش الإسرائيلي لوقف الهجوم.
وبعد اختراق الحدود الإسرائيلية في حوالي 30 مكاناً، قام مسلحو حماس بـ”جريمة جماعية للجنود والمدنيين فيما لا يقل عن 22 قرية وبلدة وموقعاً عسكرياً إسرائيلياً”، حسبما تشير الصحيفة.
وقال مسؤولون لم تذكر أسمائهم “واشنطن بوست”، إن “بعض المسلحين كانوا يحملون ما يكفي من الغذاء والذخيرة والمعدات لعدة أيام، وكانوا يحملون تعليمات بمواصلة التوغل في إسرائيل إذا نجحت الموجة الأولى من الهجمات التي كان من المحتمل أن تضرب مدنا إسرائيلية أكبر”.
حملت إحدى وحدات حماس “معلومات استطلاعية وخرائط تشير إلى نية مواصلة الهجوم حتى حدود الضفة الغربية”، وفقاً لاثنين من كبار مسؤولي المخابرات في الشرق الأوسط ومسؤول أميركي سابق لديه معرفة مفصلة بالأدلة.
وتؤكد الصحيفة أن “حماس زادت من تواصلها مع نشطاء الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، على الرغم من أن الحركة تقول إنها لم تخطر حلفائها في الضفة الغربية بخططها في 7 تشرين الأول مقدماً”.
قال المسؤول الأميركي السابق الذي تم اطلاعه على الأمر: “لو حدث ذلك، لكان ذلك بمثابة انتصار كبير، ضربة رمزية ليس فقط ضد إسرائيل، ولكن أيضا ضد السلطة الفلسطينية”.
وقال محللون لـ”واشنطن بوست”، إن “حماس خططت وأعدت بدقة لجريمة ضد مدنيين إسرائيليين على نطاق كان من المرجح أن يدفع الحكومة الإسرائيلية إلى إرسال قوات إلى غزة، حيث أعرب زعماء حماس علناً عن استعدادهم لتقبل الخسائر الفادحة، والتي من المحتمل أن تشمل وفاة العديد من المدنيين في القطاع”.
وكانت حماس على استعداد لقبول هذه التضحيات كثمن لبدء موجة جديدة من المقاومة الفلسطينية العنيفة في المنطقة وإفشال الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وفقاً لمسؤولين استخباراتيين حاليين وسابقين وخبراء في مكافحة الإرهاب.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير مطلع على معلومات استخباراتية حساسة، بما في ذلك الاستجوابات مع مقاتلي حماس والاتصالات التي تم اعتراضها: “لقد كانت رؤيتهم واضحة للغاية بشأن ما سيحدث لغزة بعد ذلك”.
وأضاف:” لقد أرادوا شراء مكانهم في التاريخ.. مكان في تاريخ الجهاد.. على حساب حياة العديد من الناس في غزة”.
يقول مسؤولو المخابرات الذين تحدثت معهم “واشنطن بوست”، إن “التخطيط للهجوم على إسرائيل كان جارياً منذ أكثر من عام قبل أحداث 7 تشرين الأول 2023 .
وبذل مسؤولو حماس قصارى جهدهم لإخفاء هذه الاستعدادات، حتى عندما ألقى كبار القادة تلميحات من حين لآخر حول نواياهم.
وفي مختلف أنحاء قطاع غزة أجرت حماس مناورات عسكرية فوق وتحت الأرض، وتدربوا على استخدام أسلحة مختلفة.
وقال مسؤولون استخبارات غربيون وشرق أوسطيون إن “أثناء تدريبات حماس قام المقاتلون بفحص المراكز السكانية والقواعد العسكرية بعناية لإنشاء مصفوفة من الأهداف المحتملة”.
وللحصول على معلومات استخباراتية مفصلة، نشرت حماس طائرات استطلاع بدون طيار رخيصة الثمن لاستخدامها في رسم خرائط للمدن الإسرائيلية والمنشآت العسكرية على بعد أميال قليلة من نظام الجدار العازل الذي بنته إسرائيل لعزل غزة بتكلفة مليار دولار.
وقال مسؤولون استخباراتيون إن “حماس حصلت على معلومات إضافية من عمال المياومة في غزة الذين سُمح لهم بدخول إسرائيل للعمل، وقامت الحركة بمراقبة المواقع الإسرائيلية، ودراسة صور العقارات ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تصور الحياة داخل الكيبوتسات”.
وكانت الخطط الدقيقة لكيفية ومكان الهجوم مقتصرة على دائرة صغيرة من نخبة المخططين العسكريين لدى حماس، ويبدو أن التفاصيل الأكثر أهمية قد تم حجبها حتى عن القيادة السياسية للحركة.
وتعتقد إسرائيل أن المهندس الرئيسي للخطة هو القائد العسكري لحماس يحيى السنوار، ، حيث بدأ هو وغيره من زعماء الحركة في إصدار “إشارات خفية” في الأعوام الأخيرة تشير إلى “توجه عملي جديد”.
لقد كانت تلك رسالة أراد الإسرائيليون سماعها، وهي أن “حماس لا تريد المزيد من الحروب”، كما قال مايكل ميلشتاين، الرئيس السابق للشؤون الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”.
ولدعم هذا التصور، توقفت الاشتباكات بين حماس وإسرائيل بعد عام 2021، وامتنعت الحركة بشكل خاص عن التدخل في عدة مناسبات عندما أطلق حليفها في غزة، الجهاد الإسلامي الفلسطيني، صواريخ أو اشتبك عسكريا مع إسرائيل.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم مباغت شنته الحركة على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية لقطاع غزة في السابع من تشرين الاول، أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وتم اختطاف 239 شخصاً، وفق السلطات الإسرائيلية.
ومنذ ذلك الحين، ترد إسرائيل بقصف جوي وبحري وبري مكثف على القطاع المحاصر، أتبعته بعملية برية لا تزال متواصلة، وبلغت حصيلة القتلى في غزة 11 ألفاً و180 قتيلاً، بينهم 4609 أطفال و3100 امرأة، فضلاً عن إصابة 28 ألفا و200 شخص، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، الأحد.