المدينة قلب الاقتصاد الفاعل

المدينة قلب الاقتصاد الفاعل
المدينة قلب الاقتصاد الفاعل

كتب لويس حبيقة في “اللواء”:

مع أن تحقيق النمو يرتكز على وجود مدن فاعلة من مختلف الأحجام تختلط فيها الثقافة بالفنون والعلوم، الا أن هذه المدن خاصة الكبيرة منها وفي مختلف الدول لا تنعم بالمؤشرات الاجتماعية والصحية والبيئية المناسبة. لا نمو من دون مدن ولا نظافة من دون قرى وريف نظيف وآمن. تكون الأرياف والقرى عموما أقل تلوثا من المدن، وآمنة أكثر للعيش الهادئ الكريم. الموضوع ليس اداري فقط، اذ للمدن بلديات أكبر وامكانيات مادية وبشرية متطورة أكثر بكثير، لكن النتائج على الأرض لا يمكن الدفاع عنها لأسباب اقتصادية متنوعة. المدن هي مركز ثقل اقتصادي مهم ربما استهلاكي أكثر من انتاجي، لكنه يبقى مهما في كل الحالات.

ما الذي يحدد موقع المدن في الجغرافيا وهل هنالك عوامل أساسية تبنى عليها المواقع الجغرافية؟ هنالك عوامل عدة تؤثر على موقع المدينة أهمها قربها من الأراضي الزراعية مصدر الغذاء، لكن هنالك عوامل أخرى كالقرب من الشاطئ وهذا مهم للنقل والشرب كما عامل الطقس المعتدل الذي يؤثر على الانتاج الزراعي كما على نوعية الحياة. لذا تبنى المدن على مراحل تحدد سرعتها جاذبية المدينة المبنية على توافر البنية التحتية كما الفوقية.

التنظيم المدني مهم جدا لكن أهم ما فيه أنه يشكل موقع للتجدد عبر المدارس والجامعات ومختلف الندوات والحوارات التي تتم فيها. انه موقع لتعزيز التنمية والتواصل في كل ما يخص المدينة، خاصة حجم الايرادات التي تحتاج اليها لتحقيق النمو. تتواصل مختلف الجهات في كل المدن للمساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي. في أكبر عشرة مدن في الولايات المتحدة يعيش 26% من الأميركيين على مجموع مساحات قدرها 1,8% من مساحة الولايات المتحدة. أما انتاجها العام فيقدر ب 32% من الناتج المحلي الاجمالي. في التقييم، هذه المدن العشرة تشكل 54% من قيمة أراضي المدن في الولايات المتحدة الأميركية. لكل من هذه المدن مزاياها الخاصة التي تحدد هويتها.

يرتفع عدد سكان المدن خاصة الكبيرة بسبب سهولة العيش فيها والبنية التحتية المتوافرة ومختلف الأنظمة المدنية وتوافر خدمات عامة متطورة بالرغم من كل المساوئ. نما عدد سكان المدن الأميركية المذكورة أعلاه بنسبة سنوية 50% أعلى من معدل بقية مناطق الدولة، وهذا انعكس على الانتخابات الأخيرة التي أدت الى فوز دونالد ترامب. هل يمكن لمدن الدول النامية أن تتعلم من تجارب مدن الدول الصناعية؟ أهم ما تحتاج له هو بناء مؤسسات تنظم انتقالها من وضعها النامي الى أوضاع أفضل. هذا أصعب بكثير من تحديث التكنولوجيا وأنظمة السير كما سندات الملكية. الموضوع الأهم هو أن المواطن يحتاج الى خدمات السلطات المدنية أكثر بكثير من حاجته للسلطات الحكومية السياسية وبالتالي يهتم كثيرا بزيادة انتاجيتها وفعاليتها.

أهم ما يشغل التنظيم المدني في معظم الدول الغربية وبعض العربية هو تأمين المقومات لادخال السيارات الكهربائية اليها والتي تشكل سلاحا كبيرا ضد التلوث وبالتالي عاملا لتطوير البيئة. هذا يؤثر ايجابا على مستوى التلوث المحلي ويخفض تكلفة استهلاك السيارة كما يحقق آمان الطاقة خاصة في الدول المستوردة للنفط. أهم جزء من صناعة السيارة الكهربائية هي البطارية المكونة من معدن الليتيوم الخطر وفي نفس الوقت الفاعل جدا. بانتظار بديل عنه لا بد من استعمال الليتيوم بعناية منعا لأي حادثة.

هنالك فوارق كبيرة بين المدن في الدول الصناعية وتلك الموجودة في الدول النامية والناشئة. تحتوي الصناعية على مجموعة مدن متقاربة في التنمية ولها نفس الميزات باستثناء الجغرافيا الطبيعية. للعاصمة ميزات واضحة نتيجة توجه استثمارات كبرى اليها. ما الذي يميز مثلا باريس عن المدن الفرنسية الأساسية الا الحجم والتاريخ. جميعها تتمتع بنفس مواصفات التقدم وكلها جاذبة للمستثمر والمستهلك وللسياحة. بعض الدول تختار مدينة صغيرة وتجعلها عاصمتها. فواشنطن ليست مدينة كبيرة مقارنة بنيويورك وشيكاغو ولوس أنجلس وغيرهم، لكنها اختيرت عاصمة لأنها لا يمكن أن تكتظ كغيرها من المدن الكبيرة.

لا تتمتع المدن العربية عموما بنفس مواصفات المدن الغربية. نعيش في المنطقة في ظروف حرب منذ عقود تعقد تطور مدنها. يجب التمييز هنا بين مدن دول مجلس التعاون الخليجي والمدن الأخرى في المنطقة، ويمكن للمرء أن يرى بنفسه الفارق الكبير مثلا بين أوضاع دبي وغيرها. ما تحتاج اليه دول المنطقة عموما هي الاستثمارات في كل البنية التحتية كما الفوقية لرفع المستويات التي يجب أن تنقلنا الى عالم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. تحتاج الى تجديد طرق التعليم كما كافة التكنولوجيات في ميادين الصحة والهندسة وغيرها. ليس المهم فقط ايجاد الأموال للاستثمار بل الأهم هو انتقاء أفضل السياسات والاستثمارات والأدوات كي يكون الانتقال بين اليوم والمستقبل أفضل الممكن في السرعة والنوعية.

لبنان جغرافيا صغير ومدنه حتما قليلة وصغيرة. كل لبناني فخور بمدينته والجميع فخورون بالعاصمة بيروت. مع أن الأوضاع العامة لم تكن بالمستوى المطلوب الا أن أوضاع بيروت يمكن أن تتحسن عندما نعرف الهدؤ والاستقرار ونفكر بهدؤ على المدى الطويل. المدن وحدها لا تكفي لتقييم نوعية حياتنا، اذ ما هو مهم أيضا هو الطقس اللبناني والخدمات المتوافرة في المطاعم والمقاهي والفنادق كما المستشفيات.  لبنان اليوم ليس كلبنان الأمس لكن العودة الى المستويات السابقة يحتاج الى الأموال كما الى عودة العديد من اللبنانيين للقيام بورشة بناء تتطلب مساهمة عقولهم قبل أموالهم. لا بد للبنانيين من اعادة النظر بمن مثلهم سياسيا في العقود الماضية واختيار مجموعة جديدة تتميز بأعلى معايير النزاهة والكفاءة والسيرة الحسنة والعلاقات الممتازة داخليا وخارجيا. اعادة لبنان الى الدور الاقتصادي الثقافي «المحفوظ» له في المنطقة ليس صعبا، لكنه يتطلب الاستقرار والهدوء.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بشرى من مصرف لبنان
التالى الدولار قرب أعلى مستوى في 13 شهراً