كتب أنطوان خوري في نداء الوطن:
ها هو الشغور في رئاسة الجمهورية، يتجاوز عامه الثاني بشهر وأسبوع، مكرراً مشهدية باتت متوقعة للمرة الرابعة في مسار ما بين الجمهوريتين الأولى والثانية.
قبيل الاستحقاق الرئاسي، مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، في تشرين الثاني 2022، رشح الثنائي الشيعي رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية للمنصب. والرجل رحب وتلقف العرض المغري، ليصطدم بمعارضة وازنة من الأفرقاء المسيحيين، مكرراً تجربة مشابهة خاضها جده الرئيس السابق سليمان فرنجية قبل نيف وثلاثة عقود.
ففي آب 1988 وزع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، أوراقه المفترضة رابحة، على الأميركيين والفرنسيين، موعزاً إلى حليفه الرئيس السابق سليمان فرنجية ترشيح نفسه للرئاسة خلفاً للرئيس أمين الجميل. لكن حسابات الأسد لم تطابق حسابات البيدر، وحيال رفض مسيحيي “المنطقة الشرقية” انتخاب فرنجية، شهر الأسد ورقته المضمرة بترشيح النائب مخايل الضاهر، مشفوعاً بدعم أميركي حمله الموفد الأميركي ريتشارد مورفي إلى “الشرقية” وخلاصته: إما الضاهر أو الفوضى”، فكان الرد: الفوضى.
وفي تجربة سليمان الحفيد أوجه شبه مع جده الرئيس، بإجهاض الأفرقاء المسيحيين الأقوياء في بيئتهم، وصوله إلى قصر بعبدا، وهذه المرة، ليس بتعطيل النصاب في جلسات الانتخاب، بل في التفوق عليه بحصة 59 صوتاً للمرشح جهاد أزعور، مقابل واحد وخمسين صوتاً لفرنجية، على أثر جلسات عقيمة لم تكشف “الممانعة” فيها كل أوراقها، ليتولى من رشح فرنجية تعطيل النصاب في ثلاث عشرة جلسة على مدى أكثر من عام.
وللمفارقة، فإن النظام السوري عجز عن إيصال الرئيس سليمان فرنجية للرئاسة مرة ثانية عام 1988 وهو في عز جبروته الإقليمي، ووسط نفوذه المطلق على غالبية محافظات لبنان…
وفي المقابل، يصر “الثنائي” على المرشح سليمان فرنجية- النائب السابق- ونفوذه كما النفوذ السوري تلاشى تماماً، مع فرار الأسد الابن إلى موسكو، وانهيار النظام البعثي، وتراجع السطوة الممارسة على البرلمان في ساحة النجمة وسط بيروت، ومع إعادة الاعتبار للقرار الأممي 1701 في ختام حرب “إسناد” انتهت بغير ما تشتهي طهران، وحتمت إحباط القوة العسكرية الفاعلة لـ “حزب الله”، الشريك القوي في “الثنائي الشيعي”.
وللمفارقة ايضاً، فالضغط الممارس من رئيس المجلس النيابي بعدم سحب ترشيح الحفيد فرنجية، بعدما كان المبادر إلى هذا الترشيح، لا يزال مستمراً، رغم انتفاء الأدوات الفاعلة لفرضه مرشحاً ناصعاً، أو مرشح مناورة، خصوصاً بعد الدعوة إلى جلسة التاسع من كانون الثاني 2025 ، متكئاً إلى سلبية انتفاء التقاطع لدى المعارضة على مرشح بديل من أزعور، وهي لعبة خفية يجيدها رئيس البرلمان، ونجح خلالها مرات في “أرانب” أو “كشاتبين” سياسية وإدارية، ليظهر فيها بمظهر الحريص على اللعبة الديمقراطية، إنما المواظب على فرض أعراف توازي الدستور، على شاكلة “الحوار والتوافق”.
وبين استحالة عبرت دون انتخاب سليمان الرئيس مرة ثانية، واستحالة تعبر دون انتخاب الحفيد، في ظروف غير ملائمة تماماً، لا يبدو أن لدى من يفترض أنه “زعيم”، الحكمة الكافية للانكفاء من أمام “العاصفة” الإقليمية… وحيث لا أسد في سوريا، وحيث يقود المنطق إلى دفن الفوضى، لا نبش قبرها على بعد شهر من موعد يفترض أن يحمل رئيساً مناسباً للغد، وليس رئيساً يعيش على أحلام يقظة زمن، عبر بلا رجعة.